الانسحاب النفسي في العلاقات: عندما يتحول الصمت إلى حائط جليدي يفصل بين القلوب

الانسحاب النفسي في العلاقات

   كثيرا ما يطرق الناس، باب العيادات النفسية وهم يحملون شكوى متكررة، تتعلق بفقدان الدفء والشغف في علاقتهم مع الشريك يتساءل أحدهم: كيف تمكنت من نسيان طريقة محادثة شريكي؟ بينما يحاول شخص آخر محاولة فهم التحول الذي وقع في علاقته مع شريكه، فيقول: "كنا دائما نحس بالاستمتاع معا، وحاليا لم نعد نجد ما نحدث بعضنا به". وقد تبلغ الحيرة مبلغا كبيرا إلى حد التفوه همسا : " نعم أحس أن شريكي أصبح مع الوقت غريبا عني، لماذا، هل ارتكبت ذنبا لا يغتفر؟".

   هذه الجمل ليست مجرد مفردات تقال في لحظة أزمة وضيق، لكن هي مؤشرات مهمة تدق ناقوس الخطر، حول ظاهرة نفسية ذائعة تسمى "الانسحاب النفسي" في العلاقات. إنه ذلك باختصار دلك الحائط، الغير المرئي الذي يبنيه أحد الطرفين، وهو يظن أنه يحمي نفسه من الألم، لكنه في واقع الامر يزيد المسافة بين قلبين كانا متقاربين جدا.

تعريف الانسحاب النفسي؟

   الانسحاب النفسي، هي آلية دفاعية نفسية يلجأ إليها بعض الأشخاص، عندما يحسون بتهديد عاطفي أو عند الخوف من الرفض. تشير الدراسات في ميدان علاج العلاقات الزوجية، إلى أن هذا السلوك يعمل  كوسيلة لحماية الذات، لكنه يأتي في ما بعد بنتائج عكسية، حيث يؤدي إلى الإحساس بالوحدة، وانعدام التواصل، وتقلص الثقة بين الزوجين.

   إن الحاجة إلى حماية النفس تعد من المشاعر الطبيعية، على الخصوص لمن عانوا من علاقات سابقة مؤلمة، الا أن الانسحاب كوسيلة للدفاع عن الذات، يترك القلب وحيدا، والعلاقة ففارغة من الأمان العاطفي.

أنماط الانسحاب النفسي في الزوجين

  الانسحاب النفسي له عدة صور، بل إنه يتخذ أشكالا متعددة، من أهمها :

الانسحاب النفسي والتباعد العاطفي

    هذا السلوك يعرف في الأدبيات النفسية بـ التجاهل الصامت أو الجدار الحجري، بحيث يتجنب ما أمكن الشخص النقاش أو المواجهة، ويسير غامضا في تعاملاته. أما في بعض الحالات، فينسحب الشريك خوفا من أن يتعرض للأذى أو الهجران، فيقرر الانسحاب بشكل وقائي قبل أن يصاب بالأذى.

   هذا النوع من الانسحاب يجعل من الشخص في حالة دائمة متأهبة للهروب، وغير قادر على أن يكون حاضرا بشكل كامل في هذه  العلاقة، وبالتالي مما الوقت، يفقد الطرفان الإحساس بالأمان والثقة المتبادلة بينهما، اللذان يعتبران حجر الأساس لأي علاقة صحية.

الانفصال العاطفي أو الانسحاب النفسي

الانسحاب النفسي
عندما يتحول الصمت إلى جدار  يفصل بين القلوب

   الانفصال العاطفي، يمثل لا شك، شكلا أعمق من الانسحاب النفسي، حيث معه يتوقف الفرد نهائيا عن التعبير عن مشاعره أو يخفيها بشكل عمدي، كي لا يظهر أبدا في صورة الضعيف أو المتعلق، لما تغلق أبواب العاطفة، يصبح معها  الوصول إلى قلب الشريك مهمة  شبه مستحيلة، كما تتحول العلاقة، إلى تفاعل آلي خال من  أي دفئ إنساني.

   وفي بعض الحالات المتقدمة، قد يعمل الشخص الى محاولة الهروب من مشاعره، عن طريق الانغماس الكبير في أنشطة تساعده على تخدير ألمه، على سبيل المثال الانشغال بالألعاب الإلكترونية أو الإفراط في مشاهدة التلفاز، حتى اللجوء إلى عادات مدمرة كتعاطي المخدرات أو الكحول أو إيذاء الذات.

انسحاب الجهد

   هذا النمط من الانسحاب يبرز عندما يتوقف أحد الطرفين، عن بذل أي جهد في العلاقة، وكأنه يرسل رسالة بشكل ضمني مفادها : لن أتعب نفسي بعد الآن من أجل هذه العلاقة. حين إدن يتوقف عن طرح الأسئلة على الشريك، لا يناقش بتاتا المشاكل، ولا يعمل على إصلاح الخلافات،  الهف من هذا الانسحاب هو محاولة تجنب المواجهة، لكن النتيجة النهائية، هي قتل التواصل بين الطرفين، وتحولها إلى حالة من الجمود المستمر.

   مع مرور الزمن، الطرف المنسحب يتحول إلى شخص غير مبال، بينما يشعر الطرف الثاني،  بأنه يقاتل وحيدا لإنقاذ علاقة تحتضر.

هل هناك إمكانية للتعامل مع الانسحاب النفسي؟

   للتعامل مع الانسحاب النفسي، يعتمد على وجود وعي وصبر لدى الشريك ، ومن اجل التغير يمكن اتباع خطوتين أساسيتين:

   أولا، التحدث لكن بشكل صريح بمساعدة مختص. غالبا ما يكون الانسحاب النفسي نتيجة لصدمات سابقة، أو خوف من التعلق. وجود معالج نفسي أو وسيط محايد، يمكن أن يساعد في فهم جذور السلوك، وخلق مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر دون خوف.

   ثانيا، القيام باختيار الذات، عندما لا يعود التواصل ممكنا، لما تصل العلاقة إلى الطريق المسدود، وبدأت تحس بأنك تستنزف عاطفيا، فاعرف أن الاستمرار في المعاناة، لن ينقذ العلاقة العاطفية بتاتا، لهذا من المهم أن تضع حدودا بشكل واضح، وتختار نفسك، وكرامتك النفسية في المقام الأول.

الخلاصـــة

   يجب أن تعرف أن الانسحاب النفسي، ليس فقط مجرد ابتعاد عن الآخر، بل هو أيضا ابتعاد عن الذات، إنه صراع داخلي يتراوح بين الرغبة في حماية الذات والخوف من الألم، لكنه في النهاية للأسف يعمق الجراح بدلا أن يشفيها.

  لا شك أن العلاقات تنمو وتزدهر بالصدق والالتزام، لا بالصمت والهروب. فالتواصل الصادق، هو الجسر الوحيد الذي يمكن أن يعيد الدفء، إلى قلبين افترقا رغم قربهما.

تعليقات